يعد التلوث البيئي أحد أبرز التحديات والمشكلة الأخطر التي تواجه البشرية في العصر الحديث وتُهدِّد استقرار كوكب الأرض؛ إذ يُعرِّض البيئة لأزمة حقيقية، حيث يُشكِّل تهديداً للتنوُّع البيولوجيّ والصحّة العامّة؛، نظرا لتأثيرهُ المباشر وغير المباشر على الانسان والبيئة، وما له من أهمية في دراسة العلاقة مع الصحة العامة. ان مصطلح التلوُّث البيئي "Environmental Pollution" ببساطة هو دخول أيّة مادَّة ملوثة سواء كانت صلبة مثل النفايات، أو سائلة مثل مياه الفضلات، أو غازيَّة مثل أوَّل أكسيد الكربون، أو أيّ شكل من أشكال الطاقة الحرارية أو الإشعاعية إلى البيئة، مسببة تغييرات غير مرغوب بها في الموارد الطبيعية, فوفقاً لتقديرات تابعة لمُنظَّمة الصحَّة العالَمِيَّة [1]WHOأن 99% من سكان العالم يستنشقون الهواء الملوث بالعديد من الملوثات في مختلف أنحاء العالَم سنويّاً وينتج من الانشطة الصناعية , والنقل, والزراعة, والنفايات.
يضم التلوث انواع عديدة وأكثرها شيوعاً وخطراً على الصّحة, تلوُّث الهواء بوجود مُلوِّثاتٍ وموادّ ضارَّة في الغلاف الجوي، وينتج عن انبعاثات الغازات السامة مثل اول اوكسيد الكربون, وثاني اكسيد الكبريت, واكاسيد النتروجين والجسيمات الدقيقة التي بحجم 2.5 [1] PMوجُزَيئات الغبار بمُستَوَياتٍ تضرُّ الكائنات الحيَّة حيث يتعرَّض 94% تقريباً من سُكّان العالم لمُستَوَياتٍ غير آمنة من مُلوِّثات الهواء، بينما يتعرَّض 40% منهم لمُستَوَياتٍ خطيرة؛ وفقاً لتقديراتٍ في الإحصاءات العالَمِيَّة لعام 2022, أنَّ تلوُّث الهواء أيضاً يُعَدّ من أكبر المخاطر البيئية على الصحَّة في مختلف أنحاء العالم؛ إذ يرتبط بالعديد من المُشكِلات الصحِّية، وخاصّةً مرض السرطان، وأمراض الرئة والجهاز التنفُّسي مثل الالتهاب الرئويّ, ويعود ذلك للممارسات البشرية والعوامل الطبيعية، ومن أبرزها هي حرق الوقود الأُحفوريّ لتوليد الطاقة، مثل النفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى حرق النفايات في الهواء الطلق أو في مكبّات النفايات غير المُنظَّمة، فضلاً عن عدم اعتماد العديد من أصحاب المصانع مُمارَسات صديقة للبيئة, وأيجاد الحلول المناسبة لمشكلة تلوُّث الهواء، فهي تشمل بشكلٍ رئيس استخدام الطاقة النظيفة التي لا تُطلق انبعاثات ضارَّة مثل: استخدام الطاقة الشمسية، وطاقة الرّياح، والطاقة الكهرومائيَّة، إضافة إلى استخدام التقنيات التي تُقلِّل من انبعاث الدخان والأبخرة.
تمثَّل تلوُّث الماء بوجود موادّ ضارَّة أو مُلوِّثات في الماء تُغيِّر من خصائصه الطبيعية، وتجعله غير صالح للشُّرب، أو حتى للاستخدام المنزليّ، أو الزراعيّ، أو الصناعيّ، والذي يعُد خطرٌ يُهدِّد عصبٌ الحياة , وتشمل هذه المُلوِّثات الموادّ الكيميائية، والكائنات الحيَّة الدقيقة، والنفايات، والموادّ العالقة، وغيرها، ويرجع السبب الرئيس إلى طبيعة الماء على إذابة الموادّ المُتَسرِّبة إليه بسهولة, ومن أبرز أسباب تلوُّث الماء هي المُبيدات الحشرية، والأسمدة، والنفايات الحيواني, و يتمثَّل تلوُّث التربة بوجود المُلوِّثات أو الموادّ الكيميائية السامَّة فيها، مثل الأسمدة الكيميائية، والمُبيدات الحشرية، والزرنيخ، والرصاص، وغيرها، بمُستَوَياتٍ مُرتَفِعة تضرّ الكائنات الحيَّة والنظام البيئي، ممّا يُشكِّل مصدر قلق خطير على سلامة الغذاء وصحَّة الإنسان؛ أن التأثيرات الغير مباشرة للمياه عبر انتقال المعادن, والملوثات خلال السلسلة الغذائية التي تؤدي الى العديد من الأمراض عبر تراكٌمها في أنسجة الأسماك, وبالتالي إحداث أمراض مزمنة , وقد تؤدي الى الوفاة وتعدٌ الفئات الاكثر ضرراً نتيجة لإنواع التلوث هي فئات الأطفال والكبار في السن[2] , فضلاً عن التأثيرات الاخرى التي يسببها التلوث بأنواعه هي الاثار الاقتصادية والاجتماعية من خلال التكاليف الصحية المباشرة والغير مباشرة وبالتالي انخفاض الانتاجية وهذا يؤدي الى احداث تباين في الاثر الاقتصادي والاجتماعي بين الدول المتقدمة والنامية, ولهذا وضعت حلول وتشريعات عبر العديد من المنظمات التي تعنى بوضع قوانين صارمة ومحًكمة للحد من قذف الملوثات الى البيئة ، ووضع أو تنفيذ مشاريع لمعالجة الملوثات قبل طرحها, ومن الحلول الاخرى استخدام الطاقة النظيفة بدلا من الوقود الاحفوري الذي يزيد التلوث من خلال دعم البحث العلمي والابتكارات لاستخدام العديد من الأحياء كالطحالب والفطريات والبكتريا لتحويل الملوثات الى مواد ذات قيمة , واستخدامها كطاقة نظيفة وتعد توعية المجتمع من خلال استخدام اساليب مثل التدوير للمواد, والمحافظة على الهواء والماء والتربة من التلوث عبر التقليل من أساليب التلوث اليومية. أيضاً تُؤدّي الانسكابات النفطية دوراً لا بأس به في تلوُّث مياه البحار والمُحيطات نتيجة لعمليات استخراج النفط من قاع المياه، بالإضافة إلى النفايات المُشِعَّة المُتسرِّبة من مَحطّات الطاقة النووية، وتَكمُن خطورتها في قدرتها على البقاء في الوسط الذي تسرَّبت إليه -مثل الماء- لآلاف السنين دون وجود طريقة سهلة للتخلُّص منها. لذا تطالب المنظمات الدولية, الدول للعمل المشترك عبر الاستفادة من الابحاث والافكار المبتكرة للباحثين في العديد من المجلات لاختزال التلوث والاستفادة من الفضلات المطروحة كالفضلات الصلبة في إنتاج غازات مفيدة تُستخدم مثلاً في العمليات اليومية وهذه تساهم في التقليل من استهلاك المواد الخام التي تسبب ضررًا للصحة والبيئة إلى جانب ابتكار تقنيات حديثة وفعّالة لمُراقَبة جودة المياه ورَصد أيّ تلوُّث مُحتَمَل، واتِّخاذ الخطوات اللازمة لمنعه, ونصائح وارشادات للتأكيد على أهمية الوقاية البيئية.
المصادر:
[1]World HealthOrganization, WHO (2021) global air quality guidelines: particulate matter (PM2.5 and PM10), ozone, nitrogendioxide, sulfur dioxide and carbon monoxide.
[2]Lin, L.;Yang , Y.; Xiaocang, X. 2and (2020).Effects of Water Pollution on Human Health
and Disease Heterogeneity: A Review article Front. Environ. Sci.: 10 https://doi.org/10.3389/fenvs.2022.880246.