الزراعة العضوية

تعتبر الزراعة نشاط إنساني أزليي وثيق الصلة بالطبيعة، لقد ولدت الزراعة في رحمها وظلت متناغمة معها لآماد طويلة وأدّت دورها بما يشبه النظام البيئي الطبيعي. كان ارتباطها بالموروث الديني والحضاري للإنسان محلّ اهتمام كبير ولآلاف السنين حتى قيام الثورة الصناعية وبناء المجتمع الصناعي وبزوغ فجر النظام الزراعي الجديد الذي أطلق عليه فيما بعد بالزراعة الحديثة.

لقد ظهر مفهوم الزراعة الحديثة في بدايات القرن الثامن عشر، ويعتمد بشكل أساس على اتباع أساليب زراعية جديدة ومبتكرة كان من شأنها زيادة الناتج الزراعي بشكل كبير، ان هذا النظام يقوم على استغلال الموارد الطبيعية المُتوفرة بشكل مفرط وبدون رحمة لان الربح المادي فوق كل الاعتبارات، كما ويتجنب الإستراتيجيات المعقدة للاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية ويلجا إلى حل مشاكله بالتبسيط عن طريق (الأسمدة، المبيدات، علم الوراثة)، ان الاعتماد على المدخلات الخارجية للعملية الزراعية في هذا النظام وهو السمة الأساسية له، حيث ان الاهمال للدورات الزراعية والبحث عن حلول وراثية (الأصناف) والاعتماد على الخبراء كمدخل معرفي والعمل على تجاهل خبرة الفلاح وحكمته كانت من ابرز خصائصه. ويستند على مبدا استبدال العمل الزراعي بالطاقة ورأس المال بعد أن أصبح مفهوم الكفاءة يقوم على أساس كفاءة رأس المال والطاقة.

ان الزراعة الحديثة قد اصبحت ديمومتها موضع شك بحيث أصبح البحث عن البديل (الذي سمِّي بالزراعة البيئية أو العضوية) لأغنى عنه، والتي تعتبر أكثر من مجرد نظام إنتاج زراعي يستبعد الأسمدة المعدنية والمبيدات، بل إنها تركيز على أقصى درجة من درجات التنظيم الذاتي المعتمد كليا على الرعاية البيئة وحفضها، كما ويستند على عدة مبادئ منها ان الإنسان ليس منفصلاً عن الطبيعة بل هو جزء منها، ان هدفه الأساسي هو التعاون مع الطبيعة وليس قهرها والهيمنة عليها، ان التأكيد على المسؤولية الأخلاقية في التعامل مع الطبيعة وحق الحياة للكائنات الحية الأخرى غير الإنسان بالعيش والبقاء هو جوهر هذا النظام الزراعي، كما وان وحق البقاء للمزارعين الصغار وأهمية الحياة الريفية هو الركن الذي يستند عليه في تحقيق اهدافه.

في ضوء ذألك قد أصبح التحول الى الزراعة العضوية امرا لا مفر منه ويحظى بشرعية اخلاقية ويبنى على علاقة سليمة ما بين البيئة والانسان لإنتاج غذاء (نباتي وحيواني) طبيعي وصحي، ويكفل حق الجميع بالتعايش السلمي تحت مبدا (ان الزراعة نمط حياة وليست تكنولوجيا).